من يعتقد أن لاكتشافات العلم حدود أو أن الاختراعات يمكن أن تصل يومًا ما لحد نهائيّ فهو مخطئ!. فمثلًا الذكاء الاصطناعي وما أحدثه من ثورة في عالم التكنولوجيا والطب والهندسة وكثير من فروع العلم الأخرى. هناك أيضًا تقنية النانو المكتشفة في النصف الثاني من القرن العشرين، كانت بمثابة نقلة نوعية ساهمت بتطوير مجالاتٍ عديدة وأتاحت للعلماء الوصول لتقنيات لم نتخيل وصولنا إليها قطّ. ماهي تقنية النانو وكيف تُستخدم؟. هذه التقنية التي تصف معالجة المادة على المقياس الذري والجزيئي. فعملية صف جزيئات مادة ما بجانب بعضها البعض بطرق وأشكال مختلفة وبآلية قليلة التكلفة، كانت كفيلة بإحداث ثورة في عالم الجزيئات متناهية الصغر. سنجيب في مقالنا اليوم عن جميع الأسئلة التي قد تراودك حول هذه التقنية. ماهي هذه التقنية وما مجالات علوم النانو؟، بالإضافة لفوائد وتطبيقات هذه التقنية، وما هي التحديات التي تواجهها اليوم.
ماهي تقنية النانو أو النانوتكنولوجي
بدأت ملامح علم “Nanoscience” أو الـ “Nanotechnology” النانو تكنولوجي تظهر من خلال العالم الفيزيائي Richard Feynman عام 1959، وذلك عندما طرح هذا العالم نظرية إعادة ترتيب جزيئات وذرات المواد. لكن بعد حوالي عشر سنوات، قام البروفيسور Norio Taniguchi بصقل تعريف هذا العلم.
هل لك أن تتخيل أن وحدة القياس “متر” تقابل تقريبًا مليار نانومتر. أي أن الوصول لهذه الدقة من القياس في علم المادة، هو حقًا ثورة بكل المجالات. أما بالعودة للحديث عن علم النانو، فإن هذا العلم يتضمن القدرة على رؤية والتحكم بجزيئات وذرات المادة. سيما أن القيام بإعادة ترتيب الذرات والجزيئات، سيمكّن العلماء من الحصول على مواد جديدة بمواصفات أفضل. كالقوة مثلًا، بالإضافة للوزن الأقل للمادة، وزيادة القدرة على التحكم في طيف الضوء، فضلًا عن تفاعلات كيميائية أكبر وأعظم من سابقاتها.
اقرأ أيضًا: مستقبل الذكاء الاصطناعي.
كيف تستخدم تقنية النانو
في ظل عالم التقانة الذي نعيش به اليوم، وما نشهده من تطور غير مسبوق، كانت لتقنية النانو بصمة كبيرة في هذه المسيرة العلمية. فلم تتوقف استخدامات تقنية النانو عند مجال معين، بل تعدت ذلك لتغزو مجالات مختلفة ومنها تقانة المعلومات، الأمن الوطني، الطب، النقل، الطاقة، الأمن الغذائي، وعلوم البيئة. سنبين لك فيما يلي أبرز تطبيقاتها:
- استخدام تقنية النانو في صناعة النظارات أو شاشات الكمبيوتر والنوافذ مثلًا، يجعل منها أكثر قدرة على مقاومة الماء والأوساخ، وأكثر قوة ومقاومة للضوء والانعكاسات، بالإضافة لمقاومة البكتريا والضباب، والخدش.
- تدخل تقنية النانو أيضًا في صناعة معدات ذكية تعتمد على حساسات النانو، بحيث تكون قادرة على المراقبة الصحية للإنسان. فضلًا عن استخدامها في مجال الطاقة الشمسية.
- تخفيف الوزن: عانت الصناعات الثقيلة من ثقل وزن المواد لفترة طويلة إلى أن وصلت تقنية النانو التي ساهمت بتخفيف وزن السيارات أو الطائرات وغيرها من وسائل النقل. كانت هذه النقلة النوعية أحد الأمور التي لطالما بحثت عنها كبرى الشركات الصناعية في العالم. وباستخدامهم لهذه التقنية في صناعاتهم، فإن ذلك ينعكس أيضًا على توفير الوقود كلما قلّ الوزن.
- وصلت تقنية النانو لمجال الطاقة أيضًا، من خلال سعي العلماء لإنتاج أنظمة بطاريات عالية الشحن تعتمد على تقنية النانو. كما تم أيضًا استخدامها لإنتاج مواد حرارية للتحكم في درجة الحرارة.
- في مجال التفاعلات المحفزة، قام العلماء باستخدام تقنية النانو في تسريع وتعزيز التفاعلات الكيميائية. الأمر الذي قلل من استخدام مواد محفزة للتفاعل، وخفف من الأعباء المادية لذلك، فضلًا عن تقليل نسبة التلوث الناتجة عن ذلك.
- الحماية من أشعة الشمس: استخدم العلماء أيضًا تقنية النانو في صناعة مواد تحمي الإنسان من أشعة الشمس. ومن المواد التي تدخل في ذلك ثاني أكسيد التيتانيوم النانوي، وأكسيد الزنك.
تقانة المعلومات وتقنية النانو
اكتسحت النانو تكنولوجي عالمًا آخر وهو تقانة المعلومات أو كما تعرف بالانجليزية “Information Technology” وعالم الإلكترونيات “Electronics”. فقد كان الهدف الرئيسي من ذلك، الوصول لكميات أكبر من البيانات “Data” القابلة للتخزين، وذلك عبر أنظمة أسرع وأكثر تطورًا، وباستخدام معدات أصغر وأكثر سرعة.
ولعل من أبرز ما يميز دخول النانو تكنولوجي لعالم التقانة والإلكترونيات مايلي :
- Transistor: أو الترانزيستور، والتي تعدّ حجر الأساس في جميع أنواع الكمبيوترات. هاهي اليوم أصبحت أصغر حجمًا وأكثر فعالية باستخدام تقنية النانو. الأمر الذي انعكس أيضًا على حجم أجهزة الحاسب ووزنها وأدائها، ولربما في السنوات القادمة ومع كل هذا التقدم ستصبح ذاكرة كمبيوترك بالكامل، عبارة عن شريحة صغيرة جدًا.
- MRAM: أو Magnatic Random Access Memory، ذاكرة الوصول العشوائي المغناطيسية. بحيث سيتمكن جهاز الكمبيوتر من الإقلاع مباشرة، بالإضافة لعملية حفظ البيانات بدقة عالية وبفعالية أثناء عملية إغلاق النظام، والقدرة على استئناف التشغيل.
- Flash Memory وغيرها من مكونات الهواتف الذكية التي أصبحت تعتمد تقنية النانو في تصميمها. بالإضافة للطابعات أيضًا، وغيرها من الأجهزة الإلكترونية التي حققت خفة بالوزن وسهولة بالاستخدام. فضلًا عن سماعات الهاتف التي أصبحت أصغر وأكثر مقاومة للبكتريا والغبار.
- الشاشات القابلة للانثناء: تلك الشاشات ثلاثية الأبعاد القابلة للطي، والتي تتميز بخصائص مميزة وشفافية عالية.
تقنية النانو في الطب
ربما أكثر ما قد يهمنا في عصرنا اليوم هو إيجاد طرق فعالة للحفاظ على صحتنا. ومعالجة الامراض التي قد نتعرض لها. وكون صحة المرء هي أغلى ما يملك، فقد كانت لتقنية النانو بصمة مهمة للغاية في مجال الطب.
من المؤكد أنك سمعت عن عمليات فتح الشرايين المسدودة أو ما يعرف بتصلب الشرايين، والتي تتم باستخدام معدات نانوية بحجم كريات الدم. ليس هذا فحسب، بل تمكن العلماء من إنتاج أدوات باستخدام تقنية النانو، تعالج أمراض الأورام. الأمر الذي يعطي بارقة أمل كبيرة في علاج الأمراض المستعصية والتي يصعب معالجتها إلا بأجهزة دقيقة للغاية.
من ناحية أخرى، يتم اليوم تطوير ألية معينة بالاعتماد على Nanotechnology لعلاج الخلايا السرطانية بشكل مباشر، مع الحد من انتشار المرض لخلايا مجاورة. الأمر الذي سيغير من النمط المتّبع في علاج الأورام، ويحدّ من التأثيرات الجانبية للعلاج الكيميائي المتعب.
اليوم يقوم العلماء بتطوير طريقة لتقليد التركيبة البلورية لعظام الإنسان عبر تقنية النانو. بحيث يمكن استخدامها في المعالجات السنية والعظمية أيضًا.
وكوننا اليوم ومنذ عام 2019 تحت ظل جائحة كورونا covid-19، فإن المساعي كانت وما زالت مستمرة لإنتاج لقاحات تعتمد النانو. بحيث ستغنينا عن استخدام الأبر حتى، وتقي من موجات الإنفلونزا.
اقرأ أيضًا: هل تستطيع تقنية النانو بناء الذكاء الصناعي للمستقبل؟
تحديات تقنية النانو
كون علم النانو Nanotechnology يعتمد على إعادة تشكيل البنية الهندسية للجزيئات والذرات وترتيبها من جديد، كانت المشكلة الأكبر التي تواجه هذا العلم هي صعوبة التحكم بجزيئات المادة، بسبب صغر حجمها. سيما أن العملية تتضمن أيضًا إعادة توجيه هذه الجزيئات والذرات، وبالتالي صعوبة أيضًا في تحريكها وتوجيهها.
ومن منا لا يعلم أن تغيير بسيط في ترتيب الذرات، قد يعطي نتائج غير متوقعة. فأي خطأ بذلك قد يسبب انحراف عن مسار النتائج المرجوة ولربما كارثة حقيقية.
في النهاية لابدّ لنا أن نثني على جهود كل هؤلاء العلماء في بحثهم المستمر لتطوير البشرية. مع إدراكنا التام أنّ لكل شيء في الحياة جانبه الجيد والآخر السيء. علنا نصب اهتمامنا وتركيزنا على كل ما يعود علينا بالنفع والخير.